أزمات مواقع التواصل كثيرة و أغلبها أزلي لكن كانت الاشكاليات كانت تتناول من طرف فئة قليلة لهم من الوقت و المال ما يخول لهم الجلوس لتباحث أمور الانسانية, و كان الغالب ان احوالهم الميسورة مهدت لهم طريق العلم و الاطلاع فكانت المحادثات تدور في نطاق أضيق شكلا و موضوعا. أما مشاركة نتاج تلك النقاشات فلم يكن ممكنا الا لخاصة الخاصة.
اليوم فيكاد كل بالغ و قاصر يملكون ما يقابل دار نشر خاصة و صحيفة و ميكرفونا و منصة و محطة تسجيل, و كل المواضيع مطروحة للنقاش, أفاد أم لم يفد, أكان من أهل الاختصاص أو دونهم … لو كان بيدي أن ألغي واحدة من بين هذه الآفات بضغطة زر فستكون آفة “عقلية الحلزون”.
أتحدث عمن توفرت لهم كل وسائل الاطلاع و المعرفة, ربما يتكلمون لغتين أو أكثر, يلتهمون الكتب لكن معيار قياسهم الوحيد للمعلومة هو مساحة قوقعتهم.
صاحب عقلية الحلزون يقرأ كل الفلسفات القديمة و الحديثة ليتحدث عن مدى جهل الفلاسفة الذين تجاوزت أفكارهم مساحته المقدسة و أنهم تمادوا كثيرا في الخيال نائيين بعقلهم عن الواقع الملموس. و آخرين أقرب للحقيقة لولا قصر نظرهم و ضعف فهمهم و هؤلاء الفلاسفة ممن ضاقت فلسفاتهم عن واقعه.
صديقنا الحلزون لا يتصور أن الحقيقة قد تكون أوسع من قياسه.أو أن هناك مخلوقات لا تحمل قوقعة تقيس عليها العلم. فلديه يقين أن كل ما دونها ناقص رديء و كل ما فوقها خطأ مبين.
الحلزون يختار ما يوافقه من المعلومات يؤثث بها بيته ليثبت للجميع ان ركن الأساس لديه. لا يطلع ليتعلم بل ليتحجج و يجادل فقد انتهى علمه منذ زمن حين لم يعد فهمه يستوعب اي جديد. كلما عرضت له فكرة جديدة تلاقي ترحيبا لكنها لا تلائم جمجمته, حاربها بكل ما اذخر من قوة تعبير و سلطة لسان. يرهب جيرانه ألا يخرجوا من بيوتهم خشية الرعد و البرق و الحر و البرد.
الحلزون لا يطيق الابتعاد عن ركنه الآمن, أسير للخوف و الهواجس. يعتبر كل محاولة للتقرب هجوما فكريا و ثقافيا بل قد يدعي أنها محاولة ابادة.
للأسف هذه العقلية من أخطر ما أجد على البشرية, خصوصا اذا ما تصادف شخصان بنفس العقلية لكن في قوقعتين مختلفتين.